سريلانكا .. (سياحة ليس لها مثيل) الجزء الثاني


مرت أيامنا في كولومبو سريعة، لم نشعر إلا ونحن نحزم حقائبنا ونركب الباص الخاص للبدء بالجولة الثانية من رحلة وفد جمعية الصحافيين في سريلانكا الجميلة، تركنا العاصمة وزحامها الذي لا ينتهي واتجهنا ناحية الشرق.. ما إن خرجنا من محيط كولومبو حتى خلعت الطبيعة رداء الجدية والعمل المرهق وارتدت ثياب الراحة والاستجمام، وظهر لنا وجه آخر لهذا البلد المميز.. إنها الطبيعة الخضراء التي يمتد اخضرارها وسحرها مدّ البصر.
اليوم الأول- الفيلة الأيتام
سرنا في الباص أكثر من ساعة ونصف الساعة وتوقفنا في منطقة « كيغالا» Kegalle وسط الغابات الكثيفة ومياه النهر الجاري الجميل، أول ما لفت نظرنا في المكان عدد السياح الأجانب وعدد الباعة المتجولين الذين يبيعون كل أنواع أشرطة الفيديو.. هنا إذن شيء مميز للتصوير، لم أسهب في تفكيري حتى ظهر لنا عدد كبير من الفيلة وسط النهر والسياح يصورون القطيع بكل أنواع الكاميرات، أخبرنا أظفر شاه وهو مرافقنا السياحي بأن هذا المكان يسمى «مأتم الفيلة» وأشار إلى القطيع قائلا « هذا القطيع عبارة عن مجموعة من الفيلة الأيتام الذين قتل آباؤهم في الحرب والألغام فرأت الحكومة أن تحتفظ بهذا العدد وتقدم له كل سبل الراحة، فهم يأتون إلى هنا لكي يقدم لهم الطعام» تحيط بمكان المأتم مجموعة من المقاهي والمطاعم يقضي فيها السياح فترة من الوقت على ضفاف النهر برفقة هؤلاء الأيتام، ولم يكن قطيع الفيلة هو الوحيد في المكان بل توقف الباص فجأة ونزلت منه الزميلة منى ششتر من وكالة الأنباء الكويتية كونا لترتدي حلة جميلة.. إنها ثعبان كبير التف حول جسمها، وإلى جانب هذا الثعبان كان يجلس رجل أمام سلة فيها ثعبان الكوبرا المعروف، يمكن للسياح أن يلعبوا مع هذه الثعابين مقابل 1000 روبية ( 2.5 دينار).
لم نبتعد كثيرا عن كيغالا فتوقفنا عند صخرة تراثية كبيرة هي أكثر الآثار شهرة لسريلانكا حول العالم، إنها سيغيريا sigirya الصخرة التي تحمل فوق قمتها أحداثا وآثارا مهمة لسريلانكا، فعلى القمة يقع قصر أحد ملوكها الذي وضع والده الملك في جدار وبنى عليه جدارا آخر وقتله وسلب منه الملك، يأتي السياح إلى هذه الصخرة ليتحدوا أنفسهم في صعودها، والحمدلله أنه لم يكن لدى أحد أعضاء وفد الصحافيين هذه الرغبة في التحدي فتوجهنا فورا إلى مدينة كاندي حيث كان ينتظرنا فندق رائع.
اليوم الثاني- مزارع الشاي
ألقينا حملنا في حنايا فندق مهاويلي mahawili الجميل، قطعة فنية بديعة الجمال من التراث الأوروبي في مدينة كاندي، فاجأني عدد الكويتيين المتواجدين هنا كنت أحسب أننا الوحيدون في هذا المكان من الخليج، كان الأمر غريبا في بداية الأمر.. ولكن بعد سؤالهم عن سبب وجودهم زال العجب، إنهم يأتون إلى كاندي من أجل شراء الشاي الطبيعي من مزارعه ومنابته، تناولنا العشاء وخلدنا إلى النوم مباشرة بعد أن أغلق الفندق أبوابه الساعة الحادية عشرة ليلا.
استيقظنا في الصباح الباكر وركبنا الباص بعد وجبة افطار سريلانكية شهية - يأكل السريلانكيون الرز والدجاج واللحم والمرق في الإفطار- وتوجهنا مباشرة إلى مزارع الشاي، كان الأمر هنا مختلفا تماما.. روعة الحياة في هذا المكان لا يعادله شيء، وصدق من وصف سريلانكا بأنها أرض ليس لها مثيل، صعدنا جبالا لمدة ساعتين.. كنا خلالها نسبح في طبيعة خلابة وسط ترقرق الشلالات وهديرها ونسمات الرذاذ ورشات المطر، وحول هذه الطبيعة الساحرة كانت تنتشر مزارع الشاي في السهول والمرتفعات وعلى سفوح الجبال، إلى أن توقفنا عند مبنى بسيط البنيان ولكنه فاخر الأثاث قال لنا مرافقنا «هذا مصنع الشاي» دخلنا المبنى وإذا بالكويتيين الذين كانوا معنا في الفندق سبقونا إليه فهم يعرفون الطريق إليه كما يعرفون الطريق إلى سوق شرق أو الأفنيوز.
اليوم الثالث- أوروبا السريلانكية
لم نعد في اليوم ذاته إلى مدينة كاندي وإن كنت أتمنى أن نقضي في فندقنا ذاك أكثر من ليلة، وتوجهنا إلى مدينة أخرى وصفوها لنا بأنها قطعة من أوروبا في قلب سريلانكا، وصلنا إلى مدينة نوارة إيليا NuaraEliya وتوقفنا عند مبنى قديم تبدو ملامحه أوروبية، إنه أقدم فندق في سريلانكا اسمه غراند هوتيل بناه الإنكليز عام 1891وهو اليوم من أشهر الفنادق التي يقصدها السياح من أوروبا ليقضوا بضعة ايام في هذا المكان الجميل، ويمكن أن تستأجر منزلا جميلا في ريف هذه المدينة وسط الغابات الكثيفة لتقضي برفقة أسرتك وقتا ممتعا خلال فصل الصيف.
تعتبر نوارة إيليا من المدن الجميلة في سريلانكا، فدرجة الحرارة فيها لا تتجاوز 10 درجات، لذلك يقدم وجبة عشاء فاخرة للمقيمين فيه لأنهم لا يخرجون من الفندق بعد هبوط الظلام، وكانت وجبة العشاء أطرف ما مر بنا في الرحلة.. فالغرسون والغرسونة لا يرتديان أحذية ويسيران حفاة، كما أن العشاء غير مسموح أبدا إلا بالزي الرسمي فارتداء الدشداشة من دون غترة ممنوع أثناء تناول العشاء.
حسناء الشاي
رافقتنا في رحلة الشاي شابة حسناء اسمها سيسيسيلينا، سلبت الأضواء خلال الرحلة بطريقة شرحها للشاي وأسلوبها الفريد والمتميز وابتسامتها العذبة التي جعلت الوفد يطوف في أرجاء المصنع كله من دون أن يشعر، كانت تتحدث الإنكليزية بطلاقة وتجيب عن كل الأسئلة برحابة صدر ودراية جيدة، وكانت الجولة الوحيدة التي كثرت فيها الأسئلة.. ولا أعلم هل كان السبب حب أعضاء الوفد واهتمامهم بالشاي ومعلوماته أم جاذبية سيسيسيلينا؟
طبيب البهارات توقفنا عند مزارع خاصة بالبهارات، استقبلنا شاب يتحدث العربية بطريقة جيدة، وشرح لنا كل أنواع البهارات وكيف يمكن الاستفادة منها في صنع الأدوية الشعبية، وكان في كل مرة يستخدم أحد البهارات على أحد أعضاء وفد الصحافيين وتلفزيون الكويت، وعندما خرجنا من مزرعة البهارات كانت المبالغ التي دفعناها لشراء الأدوية الشعبية تجاوزت 800 دينار كويتي، لنكتشف بعد ساعة من التجول في أنحاء المزرعة أن كل واحد منا يعاني مشكلة طبية معينة فما خرجنا إلا وكل واحد يحمل في يده كيسا من الدواء.