البرازيل.. عالم جديد يستحق الزيارة

اختلفت هذه الرحلة عما سبقها، فحماس السفر والمغامرة شابه بعض القلق والارتباك مما قد نواجهه في زيارتنا الأولى لبلد من العالم الجديد. ساعات الطيران كانت طويلة فصلتها 4 ساعات انتظار في مطار أمستردام، وما إن وصلنا مطار ساو باولو في البرازيل حتى سرنا نتلمس طريقنا الى قاعة الوصول، وكنت انظر الى مجموعات البشر واتجاهاتهم لأحدد أين اتجه، ولا شك انني سأنظم الى طابور الأجانب ولكنني وقفت انظر الى صفوف مواطني البلد، فرأيت وجوها ملامحها مألوفة ولون بشرة مائل الى السمرة يماثل بشرتنا، مما خفف من القلق وشعور الغربة وزاد من حماسي للتعرف على هذا البلد. الاجراءات في المطار كانت سريعة وتعامل الموظفين اتسم بالرقي والاحترام فكانت بداية ممتازة لرحلتنا الأولى لبلد في العالم الجديد ــ البرازيل.
العالم الجديد تسمية أطلقها الأوروبيون على الأميركتين بعد أن وصلوا اليها أول مرة مطلع القرن 15م. البرتغاليون كانوا أول من وصل الى البرازيل بقيادة فيدروكابرال سنة 1500م ، ومنذ ذلك الحين اتجهت اليها الأنظار لثراء أراضيها بالمحاصيل الزراعية كالأخشاب والبن والمواد الطبيعية كالذهب، مما أدى الى نشأة الصراعات والحروب للسيطرة على أراضيها. نالت البرازيل استقلالها سنة 1822م بعد أن كانت مستعمرة برتغالية. وهي اكبر دول أميركا الجنوبية مساحة تغطي نصف مساحة القارة، يمر فيها خط الاستواء ويجري فيها 1500 نهر أعظمها نهر الأمازون.
البرازيل غنية بثروات طبيعية للتنوع البيئي والمناخ الاستوائي بالاضافة الى أن خصوبة التربة وتنوع المحاصيل الزراعية جعلاها رائدة في مجال الزراعة، فهي تنتج %20 من البن العالمي وتعتبر أكثر دولة تزرع الموز والكاكاو، الى جانب ثروتها الحيوانية والمعادن كالذهب والغاز الطبيعي، كل ذلك ساعد على قيام صناعات متنوعة تتضمن السيارات والطائرات، ليبرز اقتصاد البرازيل كأقوى عاشر اقتصاد في العالم.
الطقس عموما استوائي دافئ على مدار العام، فيمكن زيارة البرازيل معظم أيام السنة الا انه من الصعب تفادي الأمطار، فهنا تسقط اكبر كمية أمطار في العالم على مدار العام.
بالامكان السفر الى ساو باولو من الكويت على متن الخطوط العالمية كالهولندية والألمانية بالاضافة الى الاماراتية والقطرية بتوقف لعدة ساعات في احد المطارات.
لم نتمكن من زيارة كل معالم هذا البلد الشاسع في رحلة واحدة، فحددنا أن تشمل زيارتنا مدن ساوباولو وريودي جانيرو وايغوازو وقد نتمكن مستقبلا من استكمال زيارة باقي أجزاء البلاد.

ساو باولو

تقع ساو باولو في جنوب شرق البرازيل على ساحل المحيط الاطلسي أسسها الرواد البرتغاليون الأوائل عام 1554لتكون مركزا انطلقوا منه للتوغل واكتشاف الاراضي الداخلية للقارة.
بعد جولتنا الأولى في المدينة استطعت أن أرى ملامح المدينة المتعددة فشوارعها الواسعة بمبانيها الشاهقة يتماشى مع كونها مركز البرازيل التجاري والصناعي أما مبنى دار الأوبرا الضخم الذي يوفر العروض الفنية المستمرة ومكتبة البلدية اكبر مكتبة في أميركا الجنوبية بالاضافة الى المتاحف الكثيرة التي من أهمها متحف الفن في شارع بوليسيتا الذي انشئ في سنة 1947 ببنائه المتميز والذي يحوي في صالته الرئيسية أعمال فنانين عالميين بالاضافة الى الفنانين البرازيليين، فكل هذا يعزز من قيمة ومركز ساو باولو الفني والثقافي. الكنائس كثيرة في ساو باولو أهمها كاتدرائية الروم الكاثوليك ببنائها المتميز في وسط المدينة القديمة مضيفة الصبغة الدينية والروحية لتاريخ المدينة. أما الجمال والرومانسية فقد رأيتها في متنزهات تتوسطها بحيرات ساحرة تزين سماءها أسراب الطيور وتحيط بها المسطحات الخضراء بأشجارها المخملية الشاهقة. في وسط المدينة أقيم تمثال بانديرانتيس الرائع الذي يجسد المعاناة والجهد الذي بذله الرواد الأوائل لبناء واقامة الدولة البرازيلية لتبقى ذكراهم خالدة. ومنذ اللحظات الأولى في المدينة شعرت بنبض الحياة السريع في هذه المدينة المزدحمة، فساو باولو تأتي في المرتبة الثالثة عالميا من حيث عدد السكان، يعيش فيها ما يقارب 11 مليون نسمة معظمهم من اصل اوروبي وتضم اكبر جالية يابانية خارج اليابان يبلغ تعدادها مليوني نسمة. اقامتنا هنا كانت قصيرة وكافية للتعرف على معالم المدينة الرئيسية.




ايغوازو

من ساو باولو اتجهنا بالطائرة الى ولاية بارانا جنوبا قاصدين مدينة ايغوازو لزيارة شلالاتها التي تقع على نهر ايغوازو والتي صنفت اخيرا من ضمن عجائب الدنيا السبع الطبيعية، وهي تتكون من 275 شلالا لمسافة 2.7 كلم على طول النهر بمتوسط ارتفاع يبلغ 64م المنطقة المحيطة بالشلالات هي متنزه وطني من ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي على حدود البرازيل والأرجنتين. من الجانب البرازيلي استطعنا تتبع سقوط المياه على المنحدرات والتمتع بمناظر الشلالات لمسافة 1.5 كلم مشيا على الأقدام في ممر بمحاذاة مجرى النهر لينتهي بنا المطاف في بناء مرتفع على النهر يأخذنا المصعد فيه لبرج مطل على النهر، فكان منظرا بانوراميا بديعا للشلالات تمتعنا بشرب القهوة على اطلالته في المقهى العلوي، ثم توجهنا لأسفل النهر لنقوم بجولة نهرية على قارب سريع يمر بنا بالقرب من احد المساقط المائية ليخترق ستائر المياه، وطبعا تعرضنا للبلل التام في جو مليء بالمرح والمغامرة، وكان شعور مثير أن نكون في قلب الطبيعة وسط مساقط المياه التي كنا قد شهدناها من بعيد.

الجانب الأرجنتيني

في اليوم التالي عبرنا الحدود البرازيلية باتجاه الأرجنتين لاستكمال المشهد من الجهة الأرجنتينية. بدأت الجولة بركوب قطار قديم بمقاعد خشبية مفتوح من الجانبين لإتاحة الفرصة للتمتع بالطبيعة لمسافة 7 كلم عبر الغابات الاستوائية التابعة للمنتزه الوطني، ثم واصلنا الجولة مشيا لنعبر جسر المشاة الحديدي فوق النهر لمسافة كيلومتر.
هنا بدأنا نشعر بحرارة شمس منتصف النهار، خصوصا في المناطق المكشوفة، حيث سكون الهواء وركود مياه النهر. ولم نكن نسمع إلا أصوات اقدامنا على الأرضية الحديدية، ولكن شعور الفضول والإثارة خفف من حدة حرارة الجو، وكلما تقدمنا ناحية الشلالات كان يعلو صوت هدير المياه وسقوطها على المنحدرات، وعند نهاية الممر كنا في وسط ما يعرف بحنجرة الشيطان، أكثر الشلالات إثارة وجاذبية، وهي فجوة بعرض 150م وطول 700م وارتفاعها 82م تنحدر فيها المياه من جميع الجهات وتتساقط بقوة واندفاع مكونة أجمل الستائر المائية المتحركة بألوان المياه الزرقاء البلورية.
وقفت أتمتع بوجودي في هذا المكان، وكانت لحظات لا ترمش العين أثناءها لجمال ما ترى، فالمشاهد الخلابة تسعد البصر وتبعث البهجة بالنفس والانتعاش بما تقذفه من رذاذ المياه، فتلطف البشرة وتبهج الروح، ثم رجعنا نمشي على الجسر بخفة ونشاط بعدما انتعشنا في أحضان الطبيعة الساحرة.

السفاري

في منتزه الشلالات الوطني، قمنا بجولات السفاري في سيارات الجيب المكشوفة في الغابات الكثيفة، فكانت لحظات ممتعة فيها كثير من الإثارة والتشويق في أجواء ذات رطوبة عالية تفوح فيها رائحة الغابات الندية، وتحلق فيها مختلف الطيور الاستوائية، وتحوم حولنا الفراشات العملاقة بأجنحتها المطرزة بألوان الطبيعة البديعة في تناغم عجيب، وعندما نرفع أبصارنا نرى عناكب تتوسط بيوتها التي غزلتها بخيوطها القوية معلقة بين أغصان الأشجار المتشابكة على طرفي الطريق الضيق لتكوّن أقواس الطبيعة الحية، نمر تحتها فتكاد تلمس رؤوسنا، هكذا هي الغابات الاستوائية، تنتعش فيها شتى أشكال الحياة.
زيارة منتزه الطيور (ايغوازو) كانت مميزة، فهنا يوجد أكثر من 160 نوعا من الطيور الاستوائية تعيش على طبيعتها في غرف بعلو 8 أمتار داخل الغابات، ومن أكثر هذه الطيور تواجدا طيور التكوكان بمنقارها الضخم وألوانها الجميلة، تتجول في المنتزه بحرية، وقد تعبث بمنقارها الضخم بحقائب الزوار أو الكاميرات بخفة ظل تضفي على زيارة المنتزه الكثير من المرح.


سد ايتيبو

يعتبر سد ايتيبو من اكبر السدود في العالم والثاني من حيث إنتاج الطاقة بعد سد الصين. بعد انحدار مياه شلالات ايغوازو، تتجمع وتجري لتصب في نهر بارانا، وأثناء جريانها بني سد ايتيبو بين البرازيل (مدينة فوزدي ايغوازو) والبراغواي (مدينة سوداد ديل ايستي). إنتاج الطاقة يوزع بين البرازيل والبراغواي، ولان نصيب البراغواي اكبر من حاجتها، فإنها تبيع جزءا من حصتها للبرازيل. وفي جولتنا داخل منتزه السد، شاهدنا مسطحات خضراء تغطي الاراضي المحيطة بمباني السد زرعت فيها أشجار مختلفة الأطوال، فأخبرنا المرشد أن اي عامل هنا عندما يتقاعد يغرس شجرة تحمل اسمه ليترك اثرا يدوم في هذا المكان العظيم الذي ساهم في انجازه.
وكانت فرصة جيدة ونحن في ولاية بارانا البرازيلية أن نزور مدينة سيداد دل في البراغواي على الجانب الأخر من نهر البارانا، ولم يتطلب منا اي إجراءات رسمية أو فيزا لدخول البراغواي وبمجرد عبور جسر الصداقة على نهر البارانا كنا في قلب المدينة، ولا يوجد الكثير لمشاهدته هنا غير الأسواق الشعبية يعمل بها أهل البراغواي، أما المراكز التجارية الضخمة فمعظم العاملين فيها برازيليون يأتون يوميا للعمل هنا، فهذه المدينة تعتبر اكبر مركز تسوق في أميركا الجنوبية.

الأحجار الكريمة والمجوهرات

تتوافر في البرازيل معظم أنواع الأحجار الكريمة، تعرفنا عليها في متحف احد مصانع المجوهرات العالمية الذي يوضح أنواع الأحجار وأين توجد وكيفية تنقيتها وصقلها لاستخدامها في الحلي والمجوهرات.
ما شهدناه حقيقة كان عالم ألوان الطبيعة بظلالها وأطيافها الرقيقة، وليس أجمل من حجر الاكوامارين الأزرق الذي يقدمه البرازيليون إلى ضيوفهم كرمز لبلادهم، فهو حجر ثمين تتضاعف قيمته عبر السنين لندرته. يوجد أيضا هنا التوباز الامبراطوري، حجر الغموض الأحمر والزمرد الأخضر حجر النبلاء واللون البنفسجي في حجر الامثيست الرقيق والوردي في الكنزيت.

أسواق تاريخية

سوق ماركا دو مونيسبل في ساو باولو انشئ منذ 1928 وهو ذو بناء متميز بمساحة 22000 متر مربع بجدران عالية تزينها 55 نافذة بزجاج ملون بلوحات لمزارع وأبقار وريف تناسب أجواء السوق، والسوق مغطى ليناسب طقس المدينة الممطر ويستقبل السوق 600000 زائر شهريا. ضخامة السوق واتساعه يتناسبان مع ما تنتجه البرازيل والمكان مقسم حسب السلع، ركن للفاكهة وآخر للخضروات وقسم للألبان ومنتجاتها من اجبان بنكهات مختلفة، والمخللات والفلفل بتشكيلة واسعة وركن للمكسرات والحبوب والاعشاب العطرية، وفي آخر السوق اللحوم والأسماك، وجميع السلع مرتبة ومعروضة بطريقة تجذب المتسوق وقد كانت جولتنا هنا لذيذة، حيث استطعنا أن نتذوق أصناف الاجبان المحلية والمكسرات التي يسعى الباعة لتقديمها للمتجولين لجذبهم. الطابق العلوي من السوق يحتوي على مطاعم تقدم أطباقا من معظم دول العالم، إلا انني لم أفوت فرصة الاستمتاع بالأكلات البرازيلية طوال الرحلة، الطبق التقليدي يسمى فيجودا ويتكون من فاصوليا سوداء وقطع لحم بالإضافة إلى التوابل والفلفل حسب الرغبة، أما طبقي المفضل فهو الموكيكا سمك وربيان وثمار البحر مضافا إليه جوز الهند والثوم والتوابل، وعموما الاطباق البرازيلية خليط من المطبخ البرتغالي والافريقي.

الأعمال اليدوية

«أمبو» مدينة صغيرة قديمة منذ 1554م على بعد 40 دقيقة من ساو باولو وتفضل زيارتها أيام الآحاد للتمتع بأجوائها العائلية، فهي وجهة العائلات البرازيلية لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، حيث تغلق شوارع المدينة أمام السيارات لإتاحة الفرصة للتمتع بأجواء المدينة والسير بحرية في الشوارع الضيقة المرصوفة بالبلاط البرتغالي المربع، حيث تصطف الحوانيت ببضائعها الجذابة والمعروضات هنا لا تتكرر فهذه المدينة مركز للاعمال الحرفية واليدوية، فتجد منتجات الاهالي المتنوعة بين أدوات منزلية وأثاث وإكسسوارات ومشغولات جلدية كالحقائب، وعموما التصاميم مزيج من الذوق الافريقي بنكهة برتغالية ولابد من التوقف في احد المقاهي الصغيرة لشرب الاسبرسو بطعم البن البرازيلي المميز.
تقرير د. نزيلة يوسف – القبس